مناشدة

مناشدة لقادة الدول الإسلامية

سزاي قره كوج

أناشدكم الله

رؤساء الدول الإسلامية وقادتها وملوكها.

أناشدكم الله، رؤساء تركيا ومصر وإيران وسوريا والأردن وباكستان وتونس والجزائر والمغرب، وسائر الدول الإسلامية.

مهما كانت طريقة وصولكم إلى موقعكم الحالي، فسواء ساقه القدر، أو عن طريق الميراث من الأب والجد، أو عبر الكفاح والنضال، أو عبر الاستحقاق القانوني، أو بالتغلب والقوة، ألفت نظركم: بأن اللحظة الراهنة من اللحظات الأكثر حرجا في التاريخ، والتي تترتب فيها عليكم مسؤولية كبيرة ومهمة عظيمة. هذه المهمة، التي ربما جاء استحقاقها منذ أمد بعيد، تعيش لحظاتها الأخيرة وتوشك على النهاية.

ما هي المهمة؟

   تحتم عليكم المسؤولية عقد اجتماع عاجل، لإبرام معاهدة دفاع مشترك، وتطبيق بنودها، التي ينبغي أن تنص على أن تقوم جميع الدول بالدفاع المشترك عن أي دولة إسلامية تعرضت للاعتداء.

ما هي الحاجة التي تدعو لهذه الاتفاقية؟ إن الدول الغربية قد بدأت بالسيطرة على مناطق النفط في الخليج، وكان الهجوم على العراق هو المهمة التالية، التي قدم مبررها العراق بنفسه حين قام باحتلال الكويت.

وبعد العراق، ستتعرض دولكم جميعها، واحدة تلو الأخرى، لهجوم قوات الدول نفسها، البرية والبحرية والجوية. تماما، كما اجتح المغول البلاد الإسلامية تباعا، عندما كانت إحدى الدول تتعرض للاحتلال تقف جارتها موقف المتفرج حتى يأتي دورها. وهذا ما حصل في الأندلس بعد تمزقها إلى دويلات، كانت القرية التي تشاهد الهجوم الوحشي على جارتها، كالنعجة، تنتظر دورها في الذبح.

فاعتبروا، قادة ورؤساء وملوك، من التاريخ، ولا تكرروه مرة أخرى.

إن اعتراض الدول الغربية، المتوقع، على اتفاقية من هذا النوع، ينبغي أن يشكل الحافز الأكبر على إبرامها. وإن كانت نواياهم الهجوم على بلادنا بعد الدول النفطية، فإن التراخي عن عقد معاهدة دفاع ستكون عواقبه وخيمة. وإذا لم يكن الغرب يبطن نية الهجوم على بلادنا، فليس لهم أن يرتابوا من اتفاق كهذا. إن الاتفاق ينص على محاربة المعتدي، فالمرتاب منه، بالضرورة، يضمر سوء النية. وإذا افترضنا غياب النوايا السيئة، فلا يوجد سبب آخر للاعتراض على اتفاق من هذا النوع.

السادة: ملوك وحكام وقادة ورؤساء

نعيش اليوم لحظات قيمة، فسارعوا إلى الاجتماع ولا تضيعوها، وأبرموا معاهدة الدفاع المشترك، المباركة، التي تعطي الأمان للدول الإسلامية. فإن لم تفعلوا، فلن يذكركم التاريخ والشعوب المستضعفة، ذكرا حسنا حتى يوم القيامة.

أنا أكتب منذ ثلاثين عاما، وقد سطرت في جميع مؤلفاتي، ومئات المرات، بوضوح وتفصيل، أن الغرب سيقوم باحتلال منابع النفط، وبعدها سيسعى لاحتلال دولة بعد أخرى. واليوم، للأسف، بدأت تنبؤاتي تتحقق، ولطالما تمنيت أن أكون واهما، وتخطئ توقعاتي.

إن تعليقي عقب احتلال الكويت، قد تصدر عناوين الصحف، اليوم، بعد أربعة أشهر. وإني أحذركم من الأيام القادمة، تحركوا، لا تراعوا البروتوكولات، فإنها شكلية، وموضوعة لخدمة أسس ومبادئ، ولا ينبغي أن يشكل البروتوكول عائقا أمام الأسس والمبادئ، وإن شكل ذلك ينبغي تجنبه. نعم، لا تكونوا مستلبين أمام التقاليد الدبلوماسية والبروتوكولات، بل كونوا أنتم القيمين عليها. لا تشكل القواعد الدبلوماسية أي أساس لحقوق الإنسان العالمية. وأنتم رؤساء الشعوب التي تتطلع للحرية، فيجب مقاربة هذه القواعد من هذا المنظور، وتقييمها على هذا الأساس.

إذا انسحب العراق من الكويت، ضموه إلى هذا الاتحاد، لأن الغرب يريد أن يضعكم في مواجهة مع العراق.

لا نداء ولا رسالة ولا مقالة أكثر وضوحا من خطابي هذا الذي أوجهه إليكم.

إنما أنا مذكر، ولو كان متاحا لي زيارتكم جميعا، لقدمت عليكم، ليمضي الله هذا الأمر، إن شاء، وتبرم هذه الاتفاقية، ولكني لا أملك من القوة والإمكانية الكافية لها، ولا يسعني إلا مناشدتكم، وها أنا ذا أفعل.

فعّلوا “أمانة الاتحاد الإسلامي” عسكريا واقتصاديا وثقافيا. ولو اقتصر على اتفاق حول دفاع مشترك على الأقل.

افعلوا ذلك، افعلوه ولو لمرة واحدة، افعلوه ولو تطلب ذلك أن تتجاوزا أنفسكم، تجاوزوا أنفسكم، لله والدين والشعب. وإن الغرب مهما عمل على تشتيتنا، وبث الفرقة بيننا، فإن بلادنا وشعوبنا تنهل من معين واحد، أصل هذه الشعوب واحد، وأصل هذه البلاد موحدة. كان هذا تاريخها في الماضي، وسيكون مصيرها في المستقبل. وحالنا اليوم، فترة عرضية زائلة.

لا يمكن لقوة النسيان أن تكون قد سطت عليكم، وسلبتكم كل الذاكرة، اصغوا في أحلامكم إلى صدى صراخي فيها، استحضروا طفولتكم، وتذكروا وصايا أجدادكم وابائكم وأمهاتكم، ومثقفي البلاد وشعرائها ورجالها وشيوخها.

هل تظنون أن مواقعكم التي تشغلونها تدوم لكم؟

الصديق ينطق بالحقيقة، ولو كانت مرة. يجب الاعتراف، بأن تقصيركم وتقاعسكم في أكثر لحظات التاريخ رعبا، سيطيح بكم وبعروشكم، إلى مهاوي الفناء.

أصغوا إلى التراب الذي تطؤون، ستسمعون ملايين الموتى تناديكم، لتحفظوا أوطانكم وشعوبكم البريئة. اسمعوا الأصوات الهاتفة من أعالي الجبال، ومن الهضاب، ومن أعماق القلوب. اجتمعوا على نية الاتفاق، ولو إلى منتصف الليل. تجاوزا أنفسكم ولو مرة واحدة لتسمعوا المساجد والقباب والكتب وجغرافيا الوطن وتاريخه. فكروا بالقيم التي نشأتم عليها في شبابكم. والقيم التي تغزونا اليوم، وتدمر أغلب شبابنا.

اذكروا الشهداء الذين افتدوا دينهم وديننا، وشعوبهم وشعوبنا، وأوطانهم وأوطاننا، بأرواحهم، وسقوا التراب بدمائهم، اذكروهم، واذكروا دموع الأمهات الثكالى.

ما الذي حققته أوطاننا من مكتسبات، بعد قرابة قرن من تشتتها عن وحدتها؟ إن أي التفاتة منكم إلا الوراء، ستؤكد لكم إن الاتحاد الدفاعي مسألة حياة أو موت.

أيها القادة والرؤساء والملوك، تجاوزا أنفسكم ولو مرة واحدة، لتنزعوا العصابة التي وضعها الغرب على عيونكم. اتعظوا من عاقبة تأتي على العلماء والأمراء. حاسبوا الواقع قبل أن يحاسبكم.

أناشدكم، وأنا على يقين بأنني ترجمان لمليار مسلم، وأحذركم بأن الوقت لم يعد يتسع أمامكم، فإن اللحظة المقدرة قد أزفت.

سيقول قائلون، ويتحدث متحدثون، بأنكم لستم أهلا لمواقعكم، بسبب مواقفكم الآنية. وحتى إن كان الأمر كذلك، فلا شك أن النصيحة واجبة، طالما أن بقاءكم مازال قائما حتى الآن. وإن تأخركم عن إنجاز المهمة، سيشعل ثورات كبيرة وانتفاضات عارمة، ليأتي بعدكم من ينجز المهمة.

أحذركم، وأحذر العالم الإسلامي قادة وشعوبا.

وأنفج في الصور العظيم، صور اليقظة والانتفاضة.

يا حسرة على الذين لا يسمعون النداء، الذي يصرخ في الآذان.

ويا سعادة من ينتبهون ويهبون، ولو في آخر لحظة. 

“نشرت في صحيفة “درليش” (الإحياء) في عددها 119-120 في كانون الثاني، يناير 1991.

“” بالإضافة إلى العدوان على العراق بعد احتلال منطقة الخليج، ثم تدمير البوسنة والشيشان وأفغانستان والصومال والسودان وسوريا وليبيا واليمن والكثير من الدول الإسلامية بالاحتلال والحروب الداخلية””